الخميس، 7 نوفمبر 2013

أدعوكم إلى التفكير والهجرة

أدعوكم إلى التفكير والهجرة




 الأربعاء 06 نوفمبر 2013
أخيرا التقيت نفسى لأول مرة منذ فترة طويلة، فأنا لم أجلس معى منذ 25 يناير 2011 إلا جلسات بروتوكولية سريعة لا تتعدى دقائق قليلة بعدها يذهب كل منا فى طريق، لا يدرى أحدنا عن الآخر شيئا إلا بقايا مشوشة فى اللاوعى، حتى يجمعنا الجسد المتعب آخر الليل بعد انخراط وعراك يومى فى الشأن العام، هذا التجاهل والإهمال غير المقصودين أديا إلى تراكمات زادت من الغربة بينى وبين الذات، وقبل أيام زارتنى آلام مبرحة فى الظهر، سألت الطبيب: ما الأمر؟ نظر فى الأشعة وتحدث عن انزلاق غضروفى بين الفقرتين الرابعة والخامسة، وأمرنى بالراحة التامة والنوم فوق سطح مستوٍ صلب بدون مرتبة.
قلت لنفسى: هذه مشكلة عادية تعانى منها أغلبية نساء مصر، وبدأت أقرأ الأشعة بطريقة تخصنى.. نظرت إلى سقف الحجرة الذى أصبح صديقى وأنيسى فى هذه الأيام، ورأيت «فريدا كاهلو» الفنانة المكسيكية التى تعرضت لحادث وضع جسدها كله فى الجبس لكنه منح روحها حرية الطيران فى فضاءات خيالية، حولتها من امرأة عادية إلى فنانة.
 كنت أقنع نفسى أن الألم منحة ربانية للعباد، لولاها ما أدركنا ماذا يجرى فى داخلنا، تخيلت مرة لو أن إنسانا حرم من الإحساس بالألم ماذا سيكون مصيره؟ قرأت خبرا عن فتاة أمريكية تعانى من مشكلة فى مركز الإحساس بالألم، وهو ما يعرض حياتها للخطر، مرة عضها ثعبان سام لم تتألم، ولم تشعر أنها بحاجة للعون لولا والدتها التى أدركت خطورة الأمر، الألم ينقذنا فهو بمثابة جرس الإنذار الذى يعلن أن هناك عطبا يحتاج لإصلاح عاجل. حاولت أن أستمتع بالألم، وأن أجعل من السكون الجسدى وسيلة للتأمل والتدبر.
 وتذكرت كم مرة شعرت بالإرهاق الشديد، وغالبت هذا الشعور لأن ورائى عملا يجب أن أقوم به، متخيلة أن غيابى سوف يؤثر على سير العمل وها أنا اكتشف أنه لا شىء يتوقف على غياب أحد، ربما يكون هناك شىء ناقص ولكنه لا يعوق المسيرة. حتى أولادك الذين تتصور أن حياتهم مرتبطة بوجودك وأنهم يعتمدون عليك فى كل صغيرة وكبيرة، وأنك تحمل عنهم أعباء لا يستطيعون حملها بدونك، تكتشف أن معظم هذه الأعباء يمكن أن يقوم بها آخرون بأجر أو يقومون بها بأنفسهم عند الضرورة أو يستغنون عنها.
 أدوارنا وأهميتنا بالنسبة للآخرين معظمها من صنع خيالنا، بدونها يقل إحساسنا بأهميتنا، ولذا نحرص على الاحتفاظ بهذه الصورة الخيالية، التى تتحول فى لحظة ليقين نعيش على الإيمان به. تلك الأدوار تنسينا دورنا الأهم تجاه أنفسنا، أن نعتنى بها ونطورها، فنجاحنا الحقيقى فى الوصول لحقيقة تلك النفس ومتطلباتها وكيفية التحكم فيها والارتقاء بها لتكون من النفوس المطمئنة.
كانت فترة التأمل الإجبارية منحة لمراجعة دورى فى الحياة، وأولويات المرحلة القادمة، بعد أن اكتشفت أن معظم ما أرهق نفسى لتحقيقه مجرد كماليات لا تزيد من إحساسى بروعة الحياة بل العكس، وتذكرت حين اشتريت سيارتى منذ سنوات، كم كنت حريصة عليها، وأسرع بإصلاح كل خدش يحدث لها حتى تظل بحالة الفابريكة، ووجدت أن الأمر أصبح يمثل لى عبئا وليس متعة، وهو نفس ما حدث مع قريب لى اشترى سيارة فارهة بأكثر من مليون جنيه، لكنه لم يبع سيارته القديمة لأنه يفضل استخدامها حتى لا يعرض الجديدة للخطر، ومع الوقت شعر أنه اشترى سيارة ليخدمها، لا لتخدمه، هكذا تغير الحال فأصبحنا ملكا لما نملك، نسجن أنفسنا فى أدوار من صنع خيالنا، ونصبح خدما لما سعينا لامتلاكه، حتى الحنين للماضى صار عائقا أمام المستقبل، ولهذا أريد أن أتحرر ونتحرر جميعا من هذا التشيؤ الذى يبعدنا عن ذواتنا وإنسانيتنا، ونفكر بشكل حقيقى فيما نريد، والأهم فيما لا نريد حتى لا ننفق العمر فى محاولة الإمساك بالفراغ، فى الوقت الذى تحتاجنا فيه حياتنا ولا تجدنا.
فهل أستطيع أن أهاجر من مدن الاستهلاك تاركة مكة وتجارها وشعابها بحثا عن جوهر الحياة؟. هذا ما أسعى إليه فى مطلع العام الهجرى الجديد، وكل عام وأنتم بخير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق